السبت، 13 يونيو 2015

عِبَر مِنْ قِصَّة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام

 

 

عِبَر مِنْ قِصَّة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين ،
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله ؛
صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علمًا ،
وأصلح لنا شأننا كله ولا تكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين . أما بعد :

هذه الآيات من أوائل سورة يوسف عليه السلام

قال الله عز وجل: { لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}[يوسف:7] ،
وخُتمت بقوله عز وجل : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }[يوسف:111] ؛
فقصة يوسف عليه السلام مليئة بالعبر ومليئة بالدروس .

وعندما يقرأ المسلم هذه القصة
أو غيرها من قصص النبيين عليهم صلوات الله وسلامه
لا ينبغي أن يقصُر قراءته على مجرَّد الاطلاع والوقوف على القصة
وأطرافها أو على ما هو أقل من ذلك أن يقصر حظه على قراءة الحروف
دون نظر إلى شيء من المعاني ،
وإنما الذي ينبغي مع هذه القصص العظيمة
ولاسيما أفضل القصص قصص النبيين عليهم صلوات الله وسلامه
وهم من فضَّلهم الله سبحانه وتعالى على العالمين
{وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}[الأنعام:86] ؛
أن تكون القراءة لأخْذ العبرة والعظة واستفادة الدروس ؛
ولهذا العلماء رحمهم الله تعالى في كتب التفسير اعتنوا عنايةً بالغة بذكر الفوائد والدروس المستفادة من هذه القصص ،
والإمام ابن سعدي رحمه الله تعالى أفرد رسالةً جميلة عظيمة النفع في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف ،
وهي رسالة جدير بأن يقرأها طالب العلم ،
وأيضا نهج في تفسيره المعروف بتيسير الكريم الرحمن
أنه عقب كل قصة من قصص الأنبياء أن يذكُر الفوائد المستنبطة من تلك القصة
والعبر المأخوذة منها .

وعندما تقرأ هذه القصة العجيبة العظيمة
-قصة يوسف عليه السلام
- تجد أن هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه
مر بابتلاءات عظيمة جدًا ومتنوعة
وكلٌ من هذه الابتلاءات تلقَّاها بصبر ويقين وثقة بالله وحُسن توكل عليه ،
تعرض لابتلاءات مؤلمة ،
وتعرض لابتلاءات فاتنة ،
وتعرض لشدائد ومصائب عظيمة ،
وكان في كل ذلك صابرًا عليه صلوات الله وسلامه ؛
ولهذا تُعد قصة يوسف عليه السلام مدرسة عظيمة في الصبر بأنواعه الثلاثة ،
فإن الصبر كما بيَّن أهل العلم أنواع ثلاثة :

1. صبر على طاعة الله .

2. وصبر عن معصية الله .

3. وصبر على أقدار الله المؤلمة .

وقول الله عز وجل {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}[القلم:48] 

يتناول الأقسام الثلاثة

§ لأن الحُكم إما أن يراد به الشرعي وهو أمرٌ ونهي ؛
فالأوامر يُصبر على فعلها والنواهي يُصبر عن فعلها .

§ أو أن يكون الحكم قدري كوني
فهذا يُصبر على قدر الله سبحانه وتعالى المؤلم وما قضاه على عبده فيتلقى ذلك بالصبر .

الحاصل أن يوسف عليه السلام مرَّ بأنواع من الابتلاءات ؛
ابتلي بهذا الموقف الذي استمعنا إليه بما اسمعناه من آيات
بموقف إخوته منه وتآمرهم على قتله أو أيَّ طريقة في الخلاص منه ،
إلى أن انتهى بهم الرأي إلى أن يلقوه في غيابت الجب
وأن يفتعلوا عند والدهم أن الذئب أكله
ويأتوا بقميصه وعليه شيء من الدم شاهدًا لقولهم ،
ثم التقطه السيارة وبيع في مصر وتعرَّض لأنواع من ابتلاءات منها :
موقف امرأة العزيز التي فُتنت بعه
وشغفها حبا وتهيأت وتجملت وتزينت له ودعته إلى نفسها راودته ؛
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } 
[يوسف:23] ؛
أنواع من الابتلاءات مر بها ،
من ضمن هذه الابتلاءات أنه سُجن عليه السلام ظلما ،
ولبث في السجن بضع سنين
ولم يكن له من ذنب إلا امتناعه عما دعته إليه امرأة العزيز ،
فتهددت وتوعَّدت إن لم يفعل ما تدعوه إليه بالسجن ،
وفعلًا سُجن ولبث في السجن بضع سنين .

هذه الابتلاءات العظيمة التي مر بها عليه صلوات الله وسلامه كلها تلقاها بالصبر ؛ صبرًا على طاعة الله ،
وصبرًا عن معصية الله ،
وصبرًا على أقدار الله المؤلمة ،
كل ذلك ظهر جليًا في قصة هذا النبي عليه الصلاة والسلام .
ثم كانت العاقبة الحميدة
والمآل المبارك الذي جعله الله سبحانه وتعالى لعباده المتقين وأوليائه الصابرين ، ولهذا تقرأ في نهاية القصة لما دخل إخوة يوسف عليه وقالوا له عليه الصلاة والسلام: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} ؛
قَالَ : { أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}
[يوسف:90] 
يعني هذه العاقبة التي تشاهدون
–يقول
- والمآل الذي ترون هو عاقبة التقوى والصبر
{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} 
[يوسف:90]؛
صبر واتقى الله عز وجل فكانت العاقبة الحميدة .

وهذا فيه إعلام لكل مسلم وتنبيه لكل مؤمن
أن تحلِّيه بالصبر وتقوى الله سبحانه وتعالى
يُعقِب العاقبة الحميدة والمآل الحميد في الدنيا والآخرة ،
{وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132] ،
والصبر وإن كان مرَّ المذاق في أوله إلا أنه حلو الطعم في عاقبته ومآله ونتيجته ،
كما هو ظاهر في قصة هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .

وانظر في قصته العجيبة عليه السلام مع هذه الابتلاءات التي مر بها
والشدائد والصعاب التي مرت به لم يتوقف عن الدعوة إلى الله وتوحيده ،
واقرأ في قصته عليه السلام ذلك الأنموذج العالي في الدعوة
وأسلوبها وطريقتها مع صاحبي السجن
{ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)
يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}
[يوسف:36-41] 
جاءا إليه لما رأيا فيه من هيئة حسنة وخُلُق كريم ومعاملة طيبة
بحيث أن النفوس تطمئن إليه فعرضا عليه هذه الرؤيا؛
وهذا يفيد أن تعامل الداعية بالخُلق الرفيع والأدب الكريم والأسلوب الطيب
يجعل الناس تميل إليه ،
{ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
[آل عمران:159] ،
فلما اطمئنا إليه عرضا عليه كل واحد منهما هذه الرؤيا التي رآها ،
فوجدها فرصة لدعوتهما إلى أعظم الأمور توحيد الله ،
وجعل بين هذه الدعوة مداخل
حتى يمكِّن لهذه الدعوة في نفوسهم ويجعل لها طريقا إلى قلوبهم بإذن الله سبحانه وتعالى .

فالحاصل أن هذه القصة قصة عظيمة جدا ومليئة بالعبر والدروس النافعة
التي ينبغي أن يستفيد منها المسلم وطالب العلم ،
وأنصح مرة ثانية بقراءة الرسالة الموسومة
بفوائد مستنبطة من قصة يوسف للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى . وأسأل الله عز وجل أن ينفعنا أجمعين بما علَّمنا وأن يزيدنا علما ،
وأن يصلح لنا شأننا كله وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ،
وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما .

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اناس يقتلون فقد لانهم مسلمون

رسالة إلى المفتونين بالحضارة الغربية ‫#‏اﻟﺬﻛﺮﻯ_20ﻟﺤﺮﺏ_ﺍﻹﺑﺎﺩﺓ_الصليبية‬ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻨﻬﺎ ﺍﻟﺼﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻠﻤﻲ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ.. ﻭﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ 300 ﺃﻟﻒ ﻣﺴﻠﻢ .. ﻭ...